الجفاف الفلاحي بالمغرب من 1940 إلى 1995


الجفاف ظاهرة طبيعية معقدة، شكل مند القدم ولازال إلى الوقت الراهن تحديا حقيقيا أمام الإنسان. تتفاوت تأثيراته عليه في المجال الذي يرتاده، من نطاق إلى أخر بحسب حِدّته ومدى الاستعداد للتقليل من أثاره. 
ولكن الجفاف يبقى قاسيا عندما يحتد ويتجاوز عتبات معينة، فيخلف نتائج خطيرة على المجموعات البشرية وخير مثال على ذلك جفاف 1981ـ 1982 الذي شكل كارثة فلاحية في المغرب تجاوزت القطاع الفلاحي لتشمل أنشطة اقتصادية أخرى . 

ويقسم مدلول الجفاف إلى نوعين: 
ـ من حيت المفهوم العام : وهنا يرتكز الجفاف على مفاهيم عامة تساعد على فهم الظاهرة بالنسبة للعموم، مثلا كأن نقول الجفاف هو طول مدة عدم تساقط الأمطار وثأثيرها على المحاصيل مما يتسبب في ضعف الإنتاج. 
ـ من حيت المفهوم الإجرائي: ويتم هنا الارتكاز على معطيات دقيقة لتحديد وفهم نوع الجفاف وشدته. 
إن الجفاف عندما يحتد ويتجاوز مستويات معينة فإنه يمكن أن يخلف أثارا كارثية على الاقتصاد الوطني، إذ أنه يطبع الظروف السوسيو اقتصادية للساكنة، وبالخصوص في المجال القروي، فيظهر ذلك في شكل قوانين وأعراف جديدة لتدبير الشح المائي، أو يتخذ مظهر نزاعات بين المتنافسين على مصادر الماء، وتنطبع السياسات العمومية بأثاره، فيظهر الغلاء ويحتقن الوضع الاجتماعي، وتظهر مقاربات متنوعة للتعامل مع الوضع، تتفاوت بين اللجوء إلى الغير للاقتراض أو تخفيض حصة الفرد من الماء، أو/ والاستغناء على عدد من المشاريع التنموية، واستعمال المقاربة الأمنية للتصدي للاحتجاجات... 

يقسم الجفاف إلى أنواع منها الجفاف المناخي والجفاف الهيدرولوجي وثالث بيولوجي، ورابع فلاحي، وخامس سوسيو اقتصادي،... تتفاعل هذه الأنواع فيما بينها وتتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالجفاف المناخي. كما أن الجفاف الفلاحي يتأثر بشكل كبير بهذا الأخير، مادام أن الجفاف" ظاهرة طبيعية تتجلى في انخفاض مستوى التساقطات ينتج عنها تراجع الإنتاج الفلاحي" . فينطبع هدا الأخير بكمية الأمطار وأوقات هطولها وانتظامها... 

إن الجفاف في المغرب أصبح أشبه بظاهرة بنيوية ترتبط بها عدد من المظاهر والممارسات في الحياة خصوصا في النطاقات الصحراوية وشبه الصحراوية وسط تحذيرات من أن المغرب بات في مرحلة العجز المائي. ففي ظل النقص الملاحظ في التساقطات وازدياد ظاهرة التشميس والقحولة بات المغرب مهددا في موارده المائية وفي إنتاجه الفلاحي، وبالتالي في أمن اقتصاده على اعتبار الدور المهم للفلاحة فيه. إن هذا الأمر دفع أحد الباحثين إلى القول أن "الجفاف وجد في الاقتصاد المغربي فريسة سهلة" . 

يدفعنا هذا الاختلاف بين أنواع الجفاف إلى تعريفها، تم نقف على أهم مواصفات الجفاف الفلاحي موضوع دراستنا، وبعد ذلك نبحت عن السنوات الجافة فلاحيا بالمغرب في الفترة الممتدة من 1940 إلى 1995. 

1 ـ أنواع الجفاف الكبرى ومواصفات الجفاف الفلاحي 
1ـ1 أنواع الجفاف 

يتحدث الباحثون الجغرافيون على أنواع مختلفة من الجفاف التي تمس كلها الإنسان في جوانب مختلفة من معاشه ومسكنه وحياته على العموم. فهذه الأنواع من الجفاف تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الإنسان فردا أو جماعة وبدرجات مختلفة. ويمكن الإشارة إلى أربعة أنواع من الجفاف: 

الجفاف المناخي : يتميز بنقص أو سوء توزيع التساقطات، وغالبا ما يستدعي قياسات لمدد طويلة حتى يمكن الوقوف على فتراته ومقارنتها مع الحالة المتوسطة. 

الجفاف الفلاحي: ظاهرة معقدة، مرتبطة بالجفاف المناخي، والعجز المسجل في الموارد المائية السطحية والجوفية مما ينعكس تأثيره المباشر على الإنتاجين النباتي والحيواني. ويظهر هذا النوع من الجفاف عندما تقل رطوبة التربة والمرتبطة بندرة الموارد المائية مما يؤثر على الغطاء النباتي وبالتي يخفض من المردودية. كما يعرف أيضا على أنه النقص المسجل في التساقطات المؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الفلاحي مقارنة بالوضع العادي. 

الجفاف الهيدرولوجي: يظهر في فترات نقص التساقطات وينعكس بشكل مباشر على المسطحات المائية( أنهار، بحيرات، بحار...). 

الجفاف البيولوجي: وتصل فيه النباتات إلى حدها من مراحل التكيف، الأمر الذي يؤدي بها إلى الموت. 

1ـ2 مواصفات الجفاف الفلاحي: 

إن الجفاف ظاهرة طبيعية ليس لها تعريف موحد، لكن البعض يعتبرها أيضا نتاجا للتدخل البشري في المجال بطريقة غير عقلانية. ويحصل التأثير البشري على المناخ من خلال العوامل التالية: السكان، المميزات الديموغرافية، التكنولوجيا، السياسات الاقتصادية، الأنماط الاجتماعية، استغلال الماء والتربة، وأشكال التنمية... يظهر الجفاف الفلاحي عندما تضعف رطوبة التربة بسبب ندرة المياه الأمر الذي يؤثر على الغطاء النباتي كما يجعل المردود الفلاحي مترديا. وينعكس ذلك على الأراضي البورية خاصة في تلك المناطق التي يحتمل أن تعرف نقصا كبيرا في التساقطات. 

إن التطور العلمي على مستوى تقنيات السقي يحد من أثار الجفاف الفلاحي مما يصعب من تحديد مفهوم هذا الأخير، مادام أن التقنيات يمكنها أن تعوض العجز المسجل على مستوى التساقطات إذا لم يكن كبيرا. 

إن هذا الاختلاف على مستوى تعريف الجفاف الفلاحي، ينتفي عندما تلتقي التعريفات على ارتباطه بالندرة المائية مقارنة بالوضعية العادية في زمن وفي مجال محددين. 

تبدأ السنة الفلاحية في المغرب في 1 شتنبر وتنتهي في 31 غشت، لكن التساقطات المطرية قد تتأخر عن بداية السنة المذكورة مما يعني أن المطابقة بين هطول الأمطار وبداية السنة غالبا ما لا يتحقق. 

ولهذا يمكن توظيف مؤشري التساقطات المطرية والإنتاج الفلاحي خصوصا مؤشر الإنتاج الوطني الزراعي في التعرف بالجفاف الفلاحي. ولهذا الأخير مواصفات محددة منها: 

ـ تأخر توزيع التساقطات أو سوء توزيعها في الزمان والمجال. 
ـ ضعف الإنتاج الفلاحي مما يجعل المردودية ضعيفة. 
إن هذا الأمر يجعل أنصار نظرية مالتوس يعيدون التذكير بأن الإنتاج يتطور فقط بمتوالية حسابية (2ـ 4 ـ 6ـ 8...) بينما يتطور التزايد السكاني بمتوالية هندسية ( 2ـ 4 ـ 8 ـ 16...). 

2ـ السنوات الجافة من 1940ـ 1995 

شهد المغرب خلال هذه الفترة الممتدة لأزيد من نصف قرن ثلاثة مراحل كبرى من التساقطات المطرية، وتتمثل هذه المراحل في: 

ـ المرحلة الأولى: تميزت بعجز مائي وتبدأ في أواسط الأربعينات وتنتهي في أواسط الخمسينات. 
ـ المرحلة الثانية : تزايدت التساقطات في هذه المرحلة التي تبدأ من نهاية المرحلة الأولى وامتدت على حوالي 20 سنة، وانتهت في أواسط السبعينيات. 
ـ المرحلة الثالثة : وسجلت تناقصا ملحوظا في معدل التساقطات ابتداء من 1980 إلى سنة 1995. 

تمكن باحثان من الإدارة الوطنية للأرصاد الجوية من تحديد 11 فترة جفاف عامة على امتداد قرن من الزمن (1896ـ 1996) وهي: 1904-1905، 1917ـ1920، 1930ـ 1933، 1944ـ1945، 1948-1950، 1960ـ 1961، 1974ـ1975، 1981ـ 1984، 1986ـ 1987، 1991ـ 1993، 1994ـ1995. 

أما الباحثان بركات والهندوف، وبالاعتماد على مؤشري الإنتاج الوطني الزراعي والتساقطات المطرية فقد حصرا 12 فترة جفاف خلال المدة الفاصلة بين 1940 و1995. وأضافا أن 6 من هذه الفترات وقعت بين 1980 و1995، الأمر الذي يدل على صعوبة هذه الخمسة عشر سنة الأخيرة، وبالتالي شدة انعكاساتها الفلاحية الكبيرة والتي أثرت بشكل حاسم على الاقتصاد الوطني. 

يمكن الاستدلال على شدة الجفاف الفلاحي في الخمسة عشر سنة خلال فترة (1980ـ 1995) بجفاف سنة 1980- 1981، الذي اعتبرها أحد الجغرافيين أجف السنوات التي عرفتها جل جهات المغرب . مرجعا هذا الجفاف إلى انحراف مجموع التساقطات بنسبة تتعدى الثلث. 
وانطلاقا من الرسم المبياني التالي: 
يمكن استنتاج عددا من الملاحظات من الرسم التالي منها 



ـ أن جفافات 1944ـ 1945، 1980ـ1981، 1991ـ1992، 1992ـ1993، 1994ـ1995. هي الأشد خلال الفترة الممتدة مابين 1940و1995. 

ـ أن فترة 1994ـ1995، شكلت الفترة الأقصى من حيت نسبة شدة الجفاف الفلاحي، إذ تجاوزت 60%. 

ـ أنه رغم أن شدة جفاف فترة 1980ـ 1981أقل من سابقتها، فإن هذه السنة اكتست "طابع الخطورة" على حد تعبير عبد الله العوينة. وتحتفظ الذاكرة الشعبية بكثير من الحكايات الشفاهية حول المعاناة التي طبعت هذه الفترة، كما أنها أعقبتها بعض القرارات الحكومية ومنها التقويم الهيكلي على المستوى الاقتصادي، ما دفع إلى احتجاجات شعبية خاصة في مدينة الدارالبيضاء. وأطلق عليها إعلاميا "انتفاضة الدار البيضاء" وعلى ضحاياها من طرف الإعلام الرسمي "شهداء الكوميرا". 



الهوامش
--------------------------------------------------------------------
ـ برادة عبد القادر، استقراء اقتصادي ـ اجتماعي لإشكالية الجفاف، مجلة جغرافية المغرب، السلسة الجديدة، ع:6،1982، ص:57 
ـ Barakat(fatna) et Handoufe(abderrahime) ; la sécheresse agricole au maroc ; I.A.H.S puble ;n :240 ;april 1997 ;p :31 
ـ برادة عبد القادر، مرجع سابق، ص:54 
Aghrub(abdellah), études de la séchresse, le manuscrit,2005,p : 22-23 

ـ Barakat(fatna) et Handoufe(abderrahime) ; la sécheresse agricole au maroc ; I.A.H.S puble ;n :240 ;april 1997 ;p :31 

ipidem, p :31 
ـ عوينة عبد الله، المظاهر المناخية للقحولة: الجفاف في المغرب والبلدان المجاورة للصحراء، مجلة جغرافية المغرب، السلسة الجديدة، ع:6،1982 ،ص14 
ـ نفسه، ص:15.
ليست هناك تعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق